عصر البخار والآلات الميكانيكية الضخمة الذي بدأ مع نهاية القرن الثامن عشر، وعصر السيلكيون الذي بزغ مع اختراع أول ترانزيستور في بداية الخمسينيات، دخلت الحضارة الإنسانية في طور جديد منذ بداية التسعينيات، وهو عصر تكنولوجيا النانو. وكان شعار هذه التكنولوجيا هو صناعة مواد تقاس أحجامها بالنانومتر لها خصائص عجيبة وآلات متناهية الصغر تتمتع بقدرات مذهلة. فما هي تكنولوجيا النانو؟ وما هي تطبيقاتها؟
يقول مدير مركز البحث في الميكرو إلكترونيك والنانو تكنولوجيا في مدينة بسوسة التونسية كمال بسباس إنه يمكن تعريف علوم وتكنولوجيا النانو بوصفها مجموع البحوث والتقنيات المتعلقة بابتكار تقنيات ووسائل جديدة تقاس أبعادها بالنانومتر، وهو جزء من مليون جزء من المليمتر. ويطلق على هذه الابتكارات اسم أجسام نانوية أو أجهزة نانوية.
ومن المعلوم أن قطر شعرة الإنسان يبلغ حوالي مائة ألف نانومتر. أما حجم الفيروس فهو مائة نانومتر تقريبا. ولا تستطيع عين الإنسان رؤية جسمٍ حجمه دون 10 آلاف نانومتر.
وقد كان عالم الفيزياء الأميركي ريتشارد فاينمان أول من أشار إلى هذا المجال العلمي الجديد، ودعا إلى استكشافه وهو مجال "المتناهي الصغر"، وذلك في إحدى محاضراته التي ألقاها في ديسمبر/كانون الأول 1959، ولم تشهد علوم النانو انطلاقتها الحقيقية إلا بعد اكتشاف "مجهر المسح النفقي" عام 1981 الذي يستخدم لرؤية مكونات الذرة ودراسة تركيب الجزيئات.
وجاءت الفكرة في أواسط الثمانينيات لثلاثة باحثين من جامعة رايس في بوسطن بـ"رصف" 60 ذرة من الكربون في شكل غير مألوف سابقا في الطبيعة، وهو على هيئة كرة على سطحها أشكال خماسية وسداسية كما يوجد في كرة القدم. وسميت هذه المادة الجديدة الفوليرين، ومن هذه المادة تم صنع أول أنبوب نانوي من الكربون عام 1991.
تطبيقات قادمة
ويقول الباحث التونسي في مجال تكنولوجيا النانو كمال بسباس إن بعض التطبيقات المستقبلية يجري حاليا اختبارها في مراكز البحوث المتقدمة منها إصلاح الخلايا المصابة داخل الجسم البشري، وتغيير مقاطع من جزيء الحمض النووي المنقوص الأكسجين (دي أن أي) بواسطة روبوتات نانوية لتفادي الإصابة بالأمراض، وكذلك تطوير تقنية "إنترنت الأشياء" التي يمكن بواسطتها الاتصال عن بعد بالتجهيزات والأدوات كمفاتيح السيارة وآلة الغسيل والثلاجة، وغيرها.
وستشهد السنوات القادمة انتشار عمليات زرع شرائح وأجهزة إلكترونية نانوية لتعويض أجزاء تالفة من أعضاء الجسم البشري كشبكية العين واليدين والجلد وغيرها.
ويضيف الباحث أنه تجري حاليا تجربة في إطار مشروع لمتابعة مصدر اللحوم المعدة للاستهلاك بواسطة شرائح قادرة على تحديد المواقع وإجراء تحليل للحوم وتخزين المعلومات خلال جميع مراحل الإنتاج والتوزيع. وبإمكان المستهلك لهذه المادة الغذائية قراءة المعلومات المخزنة على الشريحة لمعرفة مصدرها ومدة بقائها في الثلاجة وقابليتها للاستهلاك.